عن حرية الإعلام وعفن البلاطوهات الرياضية !
في الوقت الذي يحتفل فيه اليوم صحفيو العالم بإنجازاتهم وبالمكاسب التي نالوها بفضل نضالهم الفكري والإعلامي من أجل فتح نوافذ جديدة لحريات التعبير وترقية النقاش باختلاف التصورات و تنوع وجهاته النظر، تحتفل الأسرة الإعلامية الجزائرية بنكساتها وتقهقرها الفضيع في ظل تضييع أغلب مكاسب أكتوبر 88 الذي تلاه الربيع الإعلامي وقد عايشناه ونحن كقراء وكطلبة ثم كصحفيين مطلع التسعينيات .
وبعدما كان الإعلام الرياضي ملجأ لحرية الممارسة الصحفية في سنوات “القمع الفكري” عقب الاستقلال، تحولت الصحافة الرياضية الجزائرية خلال الأعوام الأخيرة إلى فوضى عارمة انعكست صورتها على “البلاطوهات” التي تزرع الفتن والسموم ونشر الحقد والمتاجرة بالقضايا، إلى درجة أن بعض أشباه الإعلاميين ، الذين لا يقتاتون من العمل الصحفي بقدر ما يستفيدون منه، احتكروا الشاشات ويتهجمون على الجميع بحجة أو بدونها في غياب سلطة ضبط فعالة “تنهي” عن المنكر وتضع الخطوط الحمراء في شكل أخلاقيات مهنة المتاعب.
وفي الوقت الذي يشتكي فيه كثير من “الإعلاميين السياسيين” من تقليص هامش ممارسة المهنة والحرية في التعبير خلال العشرية الأخيرة ببلادنا ، يجد الصحفي الرياضي نفسه عكس ذلك يعمل في إطار مغاير تماما، بحيث لا يعترف بالحدود الأخلاقية ولا بالمبادئ المهنية، راميا كل أبجديات الممارسة الصحفية في سلة المهملات، يقول ما يشاء ، يروج لما يشاء، يشتم ويتهجم على من يشاء إلى درجة أنه لا يتقيد حتى في اختيار المفردات المستخدمة ولا الجمل التي يوظفها، فكم من حصة تلفزيونية انتهت بكلام ساقط؟ وكم من “بلاطو” رياضي تصاعدت منه رائحة العفن ؟ وكم من حصص “مقاهي رياضية” جلبت السب والشتم لمنشطيها عبر شبكات التواصل الاجتماعي لأنها ببساطة انتهجت أسلوب التهييج وإثارة الفتن.
صحيح أن الإعلام الرياضي له هامش حرية ومناورة أكبر مقارنة بالمجالات الأخرى، لكن أن تتحول هذه الحريات الإعلامية إلى مطية لنشر الحقد والسب والأكاذيب بدون رقيب ولا حسيب، فهذا لا يخدم الإعلام النزيه بقدر ما يغتاله من الداخل ويجعل منه وسيلة دمار شامل، فقد تاه القارئ والمشاهد أو المستمع بين كلام متطفلين على المهنة، منهم من يشتغل في مؤسسات صباحا وليس بصحفي محترف، فيرتدي بذلة الإعلامي بعد الظهيرة بقدرة قادر ليفتح النار على من يشاء حسب الطلب والأهواء و الإملاءات.
وكم ممن انتسبوا للأسرة الإعلامية تحولوا إلى تجار للكرة، يسوقون كل شيء له صلة بهذه اللعبة، من تعيينات سرية للحكام إلى بزنسة باللاعبين والمدربين وحتى العتاد الرياضي للفرق “يبزنسون” به هو الآخر ، فكم من رئيس ناد تلقى أس.أم. أس من منتسب للإعلام يعرض خدماته في ترتيب نتائج مباريات أو صفقات مشابهة لتسقط المهنة النبيلة بين أيادي عصابة حقيقية تجدها تهرول يوميا إلى البلاطوهات كي تعرض صورتها على الناس مثلما تفعل بائعات الهوى بغرض مزاولة أقدم حرفة في التاريخ وتلك هي “الدعارة الصحفية” !.