“العميد” يحتفل اليوم بعيد ميلاده الـ121 من “إقبال إلى النادي الرياضي… قصة عشق السنافر للخضورة لا تنتهي”
“جوان” الشهر الذي يحمل ذكرى كبيرة جدا، منقوشة وراسخة في عقول عشاق الأسود والأخضر، وبالتحديد يوم 26 جوان من القرن 19 عشر، يومها أطلق العنان لجمعية من قلب أقدم المدن بالعالم “سيرتا” ألا وهي “جمعية إقبال” 1898 الرياضية لتشعل أول شمعة للرياضة وكرة القدم في القارة الأفريقية والعالم العربي، ونحن اليوم على أبواب إطفاء الشمعة 121 لعيد ميلاد النسر القسنطيني وشيخ الأندية الأفريقية النادي الرياضي القسنطيني.
القسنطينيون أسسوا لأول ناد عربي مسلم بالجزائر عبر جمعية “إقبال”
لا يمكننا أن نتحدث عن تاريخ كرة القدم الجزائرية دون التطرق للأندية الكروية العريقة التي تزخر بها البلاد والتي صنعت أمجاد الرياضة الجزائرية على غرار شبيبة القبائل، ووفاق سطيف، مولودية الجزائر، هذه الأخيرة التي لا تزال في صراع مع نظيرتها شباب قسنطينة على لقب عميد الأندية الجزائرية، ومن يملك الشرعية التاريخية في كونه
الأقدم في الجزائر، فإذا كان العاصميون يرون أن المولودية التي تأسست سنة1921 أي قبل 5 سنوات عن نشأة النادي الرياضي القسنطيني سنة 1926 هي العميد، فإن أبناء الجسور المعلقة يرون أن فريقهم هو العميد وإن كان قد ولد في عام،1926 وما هو إلا بداية الامتداد التاريخي لجمعية “إقبال” 1898 والنجم الرياضي المسلم القسنطيني”1917″، اعتمد نشطاء سياسيون، إنشاء جمعية رياضية بأهداف سياسية بقصد التمويه على الاستعمار الفرنسي، وجرى تشكيل جمعية “إقبال” الرياضية عام 1898 وتم اختيار ألوان الفريق بالأخضر والأسود لاعتبارات دينية وتوجهات سياسية فالأخضر يرمز للدين الإسلامي والأمل في الحرية والاستقلال، أما الأسود فكان حداداً وحزناً على الجزائر في الحقبة الاستعمارية… واستمرت جمعية “إقبال” في أداء لقاءاتها الكروية في إطار ودي حتى سنة 1914، هو تاريخ اندلاع الحرب العالمية الأولى حيث قامت السلطات الفرنسية بالتجنيد الإجباري لكافة أعضاء ومؤسسي جمعية “إقبال” وأرسلتهم إلى جبهات القتال، حيث لقي العشرات منهم حتفهم فتوقفت المسيرة تماماً طيلة سنوات الحرب العالمية.
1918 إنشاء نادي النجم المسلم القسنطيني لخلافة “إقبال”
بعد نهاية الحرب العالمية الأولى قام من تبقى من أعضاء “إقبال” بإنشاء ناد رياضي جديد يكون امتداداً للجمعية الأولى مع المحافظة على نفس الألوان (الأخضر والأسود) ونفس الأهداف، فتم إنشاء نادي النجم المسلم القسنطيني وكان ذلك سنة 1917 لكن النادي لم يعمر طويلاً رغم نهاية الحرب العالمية الأولى وتوقيع الهدنة في 11 نوفمبر 1918، وبالرغم من أن السلطات الاستعمارية تفطنت لأهداف النجم القسنطيني وأوقفت نشاطه إلا أنه خلال مسيرته القصيرة تمكن من الفوز بكأس شمال إفريقيا بعد فوزه بنتيجة (4-2) أمام فريق فرنسي يمثل العاصمة التونسية، لكن بعد الفوز بكأس شمال إفريقيا وبعد أن عمت الفرحة مدينة “سيرتا” خشيت السلطات الفرنسية من زيادة النشاط السياسي لهذا الفريق فقامت بحله في نهاية سنة 1918، وانتهى بذلك الفصل الثاني من تاريخ أعرق الفرق الجزائرية وكان الركود هذه المرّة طويلاً لأنه امتد ثماني سنوات كاملة.
1926 ميلاد النادي الرياضي القسنطيني ……
في سنة 1926 بلغ الوعي الوطني ذروته وتم إنشاء “حزب نجمة شمال إفريقيا” برئاسة مصالي الحاج وبعد 3 أشهر من ذلك وبالضبط في 26 يونيو 1926 تم الإعلان عن ميلاد النادي الرياضي القسنطيني “Csc”، وكان من ضمن الحاضرين في اجتماع التأسيس موفق عبد الرحمن، الحكيم زرقين، محمد السعيد لفقون، بن شريف حسين، بوحيرد حاج ادريس، بلحيمر الصغير، بن باديس الزبير، وأسندت الرئاسة إلى الفقون محمد، وتم الاحتفاظ باللونين الأسود والأخضر ليكون “سي. أس. سي” امتداداً تاريخياً “لجمعية إقبال” و”النجم المسلم القسنطيني”، لكن السلطات الفرنسية كعادتها تدخلت، ووضعت العديد من الشروط لقبول ملف اعتمادها ومنها ضرورة وجود عضوين فرنسيين ضمن مكتبها على الأقل.
فترة 1928/1939
واجه النادي الرياضي القسنطيني خلال هذه الفترة ناديين فرنسيين على مستوى قسنطينة :
- جمعية قسنطينة الرياضية “AS Constantine” كانت تحت رئاسة هنري لونكلاد صاحب محل دالك الوقت بشارع بولحبال (بللمهدي حاليا) بوسط المدينة، هذا النادي كان متألفا فقط من الأوروبيين.
- الاتحاد الرياضي القسنطيني ” US Constantine” كان تأسيس هذا النادي في نهاية القرن19 من طرف إقطاعيين فرنسيين والأقدام السود، كان هذا الفريق مدعوم من طرف السلطات الفرنسية آن ذاك كان تحت رئاسة موريس مومي عمدة بلدة عين السمارة في تلك الفترة وصاحب معظم المناطق الزراعية المحيطة بها. كان يتألف النادي من فرنسيين مالطيين وإيطاليين حيث كانوا يعيشون في حي سان جان الراقي بوسط المدينة وكان موريس الأصغر (ابن شقيق رئيس الفريق) يلعب حارس مرمى حيث ذاع صيته في تلك الفترة بالإضافة إلى لورا لويس وسط ميدان هجومي (وكان يمارس التجارة) هذان اللاعبان انتقلا إلى النادي الرياضي القسنطيني بعد أن تم إصدار مرسوم كريميو الشهير الذي ينص على دمج خمسة لاعبين من أصل أوربي على الأقل في كل النوادى الرياضية المسلمة.
فترة الحرب العالمية الثانية 1939/1945
خلال الحرب العالمية الثانية، تم تخفيض نشاط كرة القدم في الجزائر، ليفسح المجال سنة 1942 لمجموعة من أندية أحياء التي تم إنشائها بما في ذلك نادي سون سوتشي الرياضي القسطنطيني الذي مثل ربوع المدينة القديمة: نذكر على سبيل المثال: بن لمناهل، حومة الطبالة، سيدي عبد المومن، سيدي راشد، سباط بوشعيبي. الذي اندمج لاحقا في النادي الرياضي القسنطيني الذي من شأنه توسيع صفوف الفريق ليحصل على لقب نادي قسنطينة الشعبي أولاد سيدي راشد.
خلال العام 1945، قبل بضعة أشهر من إحداث 08 ماي، اقترح الفريق فكرة إنشاء رابطة جهوية لكرة القدم مسلمة لمنافسة الدوري الرياضي الذي ينظمه المستعمرون. كان من بين المروجين للفكرة : عبد الرحيم صلاح، عوابدية ساسي، الشيخ بلحاج سعيد سي شريف، المحامي الذي ترأس النادي الرياضي القسنطيني في تلك فترة، فعلم بالأمر رئيس الرابطة المستعمرة ألبرت ريداس من قبل بعض المخبرين بهذه الفكرة فأبلغت محافظة الشرطة لمدينة قسنطينة التي قررت تفتيش مقر الفريق الواقع بشارع بول ولكن مفتش الشرطة روجي سلات برهن عن إخلاصه للنادي باعتباره كان مهاجما سابقا فيه قام ابلغ مسيري الفريق الذين أخلو المقر على الفور، وجدت الشرطة المقر مغلقا عند وصولها بعد إخلائه من كل المسيرين واللاعبين.
فترة حرب التحرير من 1955/1963
بعد اندلاع حرب التحرير الوطنية أصبح النادي مجبرا وملزما بوقف جميع الأنشطة الرياضية. وبالإضافة إلى ذلك، تلقى النادي تهديدات من جميع الأطراف الاستعمارية، وخاصة الرابطة الجهوية الفرنسية لكرة القدم، مما اجبر كل من المسيرين واللاعبين وحتى الأنصار على الالتحاق بالجبال وخدمة القضية الوطنية واستغرق جمع شمل سبع سنوات بعد الاستقلال واسترجاع السيادة الجزائرية لكن كان هناك اجتماع في أوت 1962 بقاعة ملعب بن عبد المالك رمضان تخليدا لشهداء النادي التسعة والأربعين وكذلك إعادة هيكلة النادي والفريق مع تواجد أطفال صغار تقمصوا ألوان الفريق. الجدير بالذكر هو استضافة فعاليات تأسيس الفدرالية الجزائرية لكرة القدم FAF مباشرة بعد الاستقلال بثانوية رضا، بحضور الرئيس شرفي للCSC السيد الحاج محمد الصالح بلجودي بمعية النائب العام للفريق العريق مولودية الجزائر السيد جاود أحمد.
شهداء الخضورة بالعشرات في كل الفروع الرياضية
قدم النادي الغالي والنفيس من اجل الحرية الكرامة ولكن تتبادر للأذهان مع استحضار اسم النادي أنه مجرد فريق ينشط في الدرجة الأولى المحترفة لكرة القدم فقط، غير أن الكثير لا يعلم بأن العميد قدم 49 شهيدا فداء للوطن.من خيرة أبناء هذا الوطن المخلصين من رياضيين ومسيرين. فعامة الناس يعلمون بأن أسماء شهداء الثورة التحريرية المجيدة بقسنطينة على غرار قدور بومدوس وسليمان كركري وبلقاسم برشاش وعمر بوغابة ومسعود بوجريو وأحمد بتشين وسليمان ملاح وآخرون أطلقت على شوارع المدينة أو على المرافق العمومية غير أن ما يجهله البعض أن هؤلاء الشهداء كانوا لاعبين أو رياضيين أو مسيرين للنادي الرياضي القسنطيني. المسيرون: من ضمنهم سعيد بوعلي الملقب ب “لاموطا سليمان ملاح المدعو” رشيد ” الذي تم إطلاق اسمه على جسر المصاعد وهم اثنان من مجموعة ال22 الذين اجتمعوا بالجزائر العاصمة في جوان 1954.
فرع كرة القدم: -الشهيد بودربالة دحمان
–الشهيد منصور محمد
–الشهيد مشري سليمان
–الشهيد بوفنارة فلي
–الشهيد حاج مخناش الصادق -الشهيد كركري سليمان
–الشهيد ماضوي بوجمعة
فرع السباحة:
–الشهيد بن عريبة احمد
–الشهيد بن موسى محمد
–الشهيد برشاش بلقاسم
–الشهيد لعجابي محمد
فرع الملاكمة: -الشهيد سعيد بوعلي
فترة 1964/1977
حقق النادي الصعود إلى البطولة الوطنية الثانية موسم 1965/1966 ثم البطولة الوطنية الأولى موسم 1966/1967 رفقة زعيم الأندية الجزائرية نادي شبيبة القبائل.
خلال موسم 1971/1972 نال الفريق وصافة البطولة التي توجت بها مولودية وهران، وقد منعت الاتحادية الفريق من المشاركة العربية وهدا للأسباب يجهلها العام والخاص إلى حد الآن.
14 مارس 1971 بسطيف يبقى يوم عظيم في تاريخ كرة القدم العالمية مقابلة تجمع بين شباب بلكور (شباب بلوزداد حاليا) والنادي الرياضي القسنطيني، في إطار منافسة الكأس هذه التاريخية هده شهدت الحسم بركلات الترجيح ولكن ليس مجرد ركلات ترجيح عادية حيث وصل عدد الركلات لكل فريق إلى 49 ركلة وليتم تغيير قانون الفيفا المتعلق بركلات الترجيح حيث أقصى النادي الرياضي القسنطيني الجيل الذهبي لشباب بلكور والذي ضم خيرة اللاعبين في ذلك الوقت.
كان العميد في بداية السبعينات من بين أكبر مدارس الرياضة في الشرق الجزائري حيث وصل عدد الأشبال بأكاديمية النادي إلى 150 شبلا وهو ما يعتبر بالعمل الجيد في تلك الفترِة.
من الإصلاح الرياضي إلى سوناكوم …العميد تاه بين القسمين الأول والثاني
دخلت الرياضة في الجزائر في هذه الفترة مرحلة جديدة، خصوصا بعد صدور مرسوم 23 أكتوبر 1976 الخاص بالتربية البدنية والرياضة بالإضافة إلى مرسوم 10 يوليو 1977 الشهير والذي كان نواة ما يعرف بالإصلاح الرياضي تزامنا مع صعود الفريق إلى دوري الدرجة الأولى موسم 1976/1977
أصبح CSC جمعية رياضية (ASP) وكان اندماجه مع شركة Sonacomeالحكومية لصناعات الميكانيكية وكانت معينة من قبل وزارة الشباب والرياضة فكان الفريق أول من يستجيب على النحو الإيجابي في المستوى الوطني.
بمفعول هدا الاتفاق تغير اسم الناي ليصبح شباب ميكانيك قسنطينة ثم شباب صناعة سيرتا ليعود بعد ذلك للتسمية الأصلية في نهاية الثمانيات حيث تم الاتفاق على مواصلة رعاية الشركة إلى غاية نهاية الموسم الرياضي 1990-1991.
اللقب الأول هول قسنطينة سنة 1997
شاءت الأقدار أن يتوج النادي الرياضي القسنطيني بلقبه الأول في 26 جوان1997 الذي يعتبر تاريخا عظيما في نفوس محبي وعشاق النادي، لان هذا التاريخ يمثل بكل بساطة تسعة وتسعون عاما على إنشاء النادي، في ذلك اليوم لعبت مقابلة مصيرية جمعت الفريق بنظيره اتحاد العاصمة ملعب عمر حمادي ببولوغين بالعاصمة وقد تقدم النادي الرياضي القسنطيني بهدف عن طريق كاوة مولود هذا الهدف الذي كان وزنه من ذهب بعد نهاية المقابلة لأنه كان كفيلا بتتويج النادي بأول ألقابه بعد الاستقلال أي مند أكثر من 34 سنة وخروج جميع الناس بعاصمة الشرق الجزائري إلى الشوارع والأحياء لتعبير عن فرحتهم. حيث كانت كل من المقاهي، المنازل والطرق باللونين الأخضر والأسود، كما أن الأنصار لعبوا دورا محوريا في هدا التتويج حيث سجل ملعب الشهيد حملاوي معدلات قياسية في الحضور الجماهيري كان متوسط الحضور لا يقل عن 45000 مناصر.
الألفية الثالثة وسنوات العجاف تعود إلى بيت العميد
لم يكن النادي الرياضي القسنطيني محظوظا في بداية القرن الواحد والعشرين، إذ انه لعب أغلب المواسم في الرابطة الثانية في الفترة الممتدة من 2000 إلى 2011 باستثناء الصعود سنة 2004 الذي لقي تجاوبا كبيرا من طرف الأنصار الذين برهنوا على أنهم من أحسن الأنصار في الجزائر وعلى أحقيتهم في امتلاك فريق كبير ينافس على الألقاب ليتحقق حلم الآلاف من عاشقي الخضورة موسم 2010/2011،حيث حقق الفريق الصعود في المرتبة الأولى محققا لقب الرابطة الثانية للمرة الرابعة عشرة في تاريخه طبعا هو لقب شكلي أو رمزي لا غير، وقد أدى الفريق مواسم استثنائية في المحترف الأول تمكن خلالها من إحراز اللقب الثاني في تاريخ النادي الرياضي القسنطيني، وليكتب عهدا جديدا في تاريخ النادي الذي يسير على خطى ثابتة نحو التألق في الساحة الكروية الجزائرية.
العميد ينضوي تحت لواء شركة وطنية ويحصد لقبه الثاني
بعد أن تخبط عميد الأندية الجزائرية في الكثيرة من المشاكل خاصة منها المادية استفاد الفريق من السياسة التي اعتمدتها الدولة وانطوى تحت لواء مؤسسة وطنية مجمع طاسيلي للطيران بل أن يتحول إلى المؤسسة الوطنية للأشغال في الآبار، ليدخل الشباب مرحلة جديدة من التسيير التي كللت بتتويج بلقب البطولة لثاني مرة في تاريخه، في انتظار المزيد من التتويجات في قادم السنوات.
نصر الدين بوعشاية