الحسناء ماريا شارابوفا..قصة نجاح انتهت بفضيحة
هي ليست مجرد حسناء أبهرت العالم بجمالها، ولا رياضية عابرة ظهرت فجأةً واختفت، بل هي بطلة ارتقت صدارة تصنيف محترفات اللعبة مدة 21 أسبوعًا خلال حوالي 7 سنوات، وحصدت عشرات الألقاب والبطولات في عالم الكرة الصفراء، مما جعلها تتبوأ مكانةً رفيعةً بين لاعبات عصرها..إنها حسناء التنس الروسية ماريا شارابوفا، أو (ماشا) كما يحلو لمحبيها مناداتها، والتي ألهمت الملايين بقصة نجاحها المبهرة، التي كتبتها على مدى 12 عامًا، لتحصد من الشهرة والمال ما لم تصل إليه رياضية عبر التاريخ، حيث تصدرت سجل أغنى النساء في عالم الرياضة لعدة أعوام بحسب تقارير مجلة فوربس السنوية، وبلغ عدد متابعي صفحتها الرسمية على الفيس بوك أكثر من 15 مليون متابع، كما أنها الاسم الرياضي الأنثوي الأكثر تكرارًا في مواقع البحث العالمية كغوغل وياهو.
والدها هاجر مع زوجته إلى بلدة تدعى نياغان في أقاصي سيبيريا
في أفريل من عام 1986، وبالقرب من مدينة غوميل السوفييتية، وقعت مأساة مفاعل تشيرنوبل النووي، التي أدت لوفاة وتشويه آلاف السكان من حولها، فيما اضطر مئات الآلاف إلى النزوح هربًا من تأثيراتها طويلة الأمد، وكان من بين الهاربين رجل يُدعى يوري شارابوف، هاجر مع زوجته إيلينا إلى بلدة تدعى نياغان في أقاصي سيبيريا، حيث وضعت زوجته مولودتها الأولى ماريا في 19 أفريل1987..لم يطل مكوث العائلة في المدينة السيبيرية، حيث انتقلوا بعد عامين إلى منتجع سوشي الواقع على ساحل البحر الأسود، بحثًا عن حياة أفضل، وهناك أمسكت الطفلة ماريا ذات الأعوام الـ 4 بمضرب التنس للمرة الأولى في حياتها، وذلك في أحد منتزهات المنتجع، حيث كان والدها يلعب التنس مع صديقه ألكسندر كافيلنيكوف، والد نجم التنس الصاعد يفغيني كافلنيكوف.
هكذا انتقلت ماريا إلى مدينة برادنتون بولاية فلوريدا الأمريكية
واظبت الطفلة على الحضور مع والدها إلى الملعب لتعلم التنس، حيث لاحظ الوالد موهبة طفلته الفطرية العجيبة، فقام باصطحابها إلى موسكو لزيارة مدرسة التنس التي تديرها الأسطورة السابقة مارتينا نافراتيلوفا، والتي أكدت صحة نظرة الأب في موهبة ابنته، وأوصته بصقلها عبر أكاديمية (نيك بولتيري) للتنس في فلوريدا..لم يكن يوري والد ماريا من أصحاب الأموال، ولذا لم تكن فكرة السفر إلى الولايات المتحدة بتكاليفها الباهظة تطرق رأسه، ولكن ما رآه من طموح ورغبة في عيني طفلته الشقراء جعله يضحي لتحقيق حلمها، فاستدان مبلغ 7000 دولار، وانتقل مع ابنته عام 1994 إلى مدينة برادنتون بولاية فلوريدا الأمريكية، دون أن تتمكن زوجته من مرافقتهما بسبب تعذر حصولها على تأشيرة السفر، وهناك اضطر الأب للعمل في جلي الصحون لإعالة ابنته وتمويل دراستها في الأكاديمية، التي امتدت زهاء 7 سنوات، انتقلت بعدها إلى عالم الاحتراف.
نجحت بتحقيق إنجازها الإعجازي على عشب ويمبلدون
في أفريل 2001، شاركت ماشا في إحدى بطولات الناشئات، وفي العام التالي استطاعت الوصول إلى نهائي بطولتيّ أستراليا وويمبلدون لفئة الناشئات، مما شجعها على الانخراط ضمن بطولات الكبار اعتبارًا من أواخر عام 2002، حيث شاركت في بطولة إنديانا ويلز وهي ابنة 15 عامًا، قبل أن تبدأ بخوض تحدي البطولات الكبرى، بمشاركتها في بطولتي أستراليا المفتوحة ثم رولان غاروس، حيث بلغت الدور الرابع من البطولة الفرنسية بعد أن هزمت الأسترالية يلينا دوكيتش المصنفة 11 عالميًا، ولم يطل انتظار الناشئة الصاعدة لتحقيق لقبها الأول، حيث فازت بلقب بطولة طوكيو أواخر عام 2003، وأتبعته بلقب بطولة كيوبيك، لتنهي العام وهي في التصنيف الـ 32 عالميًا، وتدخل عام 2004 بقوة، حيث بلغت ربع نهائي رولان غاروس، قبل أن تنجح بتحقيق إنجازها الإعجازي على عشب ويمبلدون، عندما أزاحت اثنتين من عمالقة اللعبة، هما ليندسايدافنبوت وسيرينا ويليامس، في طريقها للظفر بلقب أعرق بطولات الغراند سلام الكبرى، مما رفع من تصنيفها إلى المركز الرابع عالميًا، لتضمن المشاركة إلى جانب نخبة نجمات التنس في نهائيات الجولة العالمية، حيث حققت اللقب بفوزها على سيرينا ويليامس مجددًا.
أول روسية في التاريخ تعتلي صدارة تصنيف محترفات التنس
وفي العام التالي تابعت شارابوفا تألقها، حيث أحرزت لقب بطولة الدوحة بقطر، قبل أن تتمكن من بلوغ نصف نهائي ثلاث من البطولات الـ 4 الكبرى، لتنجح في تحقيق حلمها وحلم شعب روسيا، بكونها أول روسية في التاريخ تعتلي صدارة تصنيف محترفات التنس، وذلك في 22 أغسطس 2005، وتابعت النجمة الشقراء مشوارها التصاعدي خلال السنوات التالية، فحصدت الكثير من الألقاب، أهمها لقبا أمريكا المفتوحة عام 2006، وأستراليا المفتوحة عام 2008، التي عانت بعدها من إصابة خطيرة في الكتف، اضطرتها للخضوع لجراحة أبعدتها عن الملاعب حوالي 9 أشهر، فقدت خلالها الكثير من النقاط، ليهبط تصنيفها إلى المركز الـ 33 عالميًا، وعادت البطلة تدريجيًا إلى أجواء المنافسات، فنجحت ببلوغ نهائي ويمبلدون عام 2011، وأستراليا المفتوحة عام 2012، قبل أن تحرز لقب بطولة رولان غاروس الفرنسية عام 2012، وتنضم بذلك إلى كوكبة عظماء اللعبة الذين نجحوا في الفوز بألقاب البطولات الـ 4 الكبرى.
تجدد إصابة كتفها حرمها من استكمال الموسم الرياضي 2013
وعانت ماريا منتصف عام 2013 من تجدد إصابة كتفها، مما حرمها من استكمال الموسم، ولكنها عادت بقوة عام 2014، ونجحت في إحراز خامس ألقابها الكبرى وآخرها، بالفوز ببطولة رولان غاروس للمرة الثانية في تاريخها، بعد أن بلغت النهائي الثالث على التوالي في البطولة الفرنسية التي تقام على الملاعب الترابية، وفي العام ما قبل الماضي كانت ماريا على مقربة من تحقيق لقبها الكبير السادس، عندما بلغت نهائي بطولة أستراليا المفتوحة، حيث خسرت أمام سيرينا ويليامس، قبل أن تبلغ نصف نهائي بطولة ويمبلدون وتسقط أمام اللاعبة ذاتها.
أعلنت والحزن يمسح وجهها عن سقوطها في اختبار للمنشطات
افتتحت شارابوفا عام 2016 بشكل معقول، إذ بلغت ربع نهائي بطولة أستراليا المفتوحة، حيث خسرت أمام الأسطورة سيرينا ويليامس يوم 26 جانفيمن ذلك العام، لتغيب بعدها عن ملاعب التنس مدة حوالي شهرين، مما حدا بمحبيها للتساؤل عن سبب غيابها، فإذا بها تظهر في مؤتمر صحفي يوم 7 مارس 2016، لتعلن -والحزن يمسح وجهها، عن سقوطها في اختبار للمنشطات عقب مشاركتها في بطولة أستراليا، وبررت ذلك بجهلها قرار الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات بحظر عقار (ميلدونيوم) منذ بداية ذلك العام، علمًا بأنها تتعاطاه منذ أكثر من 10 سنوات لدواع صحية حسبما ذكرت!، ونزل الخبر كوقع الصاعقة على محبي النجمة الحسناء وجمهورها، وحتى على زملائها وزميلاتها في عالم الكرة الصفراء.
أوقفت عن مزاولة أي نشاط رياضي اعتبارًا من تاريخ 12 مارس 2016
فقد رأى بعضهم أنها قامت بذلك عن جهل ودون تعمد، كنوفاكدجوكوفيتشوإنجليناكيربر الذين طالبا الاتحاد العالمي للتنس بمنحها فرصةً أخرى، فيما استبعد البعض الآخر كأنديموراي وجينيفر كابرياتي أن تكون جاهلةً بجريرة ما فعلت!، وبدوره، أصدر الاتحاد الدولي للتنس قرارًا بإيقاف اللاعبة الروسية عن مزاولة أي نشاط رياضي اعتبارًا من تاريخ 12 مارس 2016، دون أن يحدد حينها مدة الإيقاف، بانتظار ما تسفر عنه جلسة الاستماع الخاصة بالرياضيين الذين سقطوا في فحوصات مادة الميلدونيوم، ولكن الأكيد هو أنها لم تستطع لملمة ما تبعثر من صورتها الجميلة في عيون محبيها، ولا محو آثار هذا الفصل الأسود من قصة حياتها، التي بدأت بنجاح وانتهت بفضيحة!
خفضت مدة عقوبتها من عامين إلى 15 شهرا
ويذكر أن محكمة التحكيم الرياضي كانت قررت في شهر مارس من عام 2016 بخفض عقوبة لاعبة التنس، ماريا شارابوفا، لتناولها عقاقير محظورة من عامين إلى 15 شهرا، وكان الاتحاد الدولي للتنس قرر معاقبة شارابوفا، البالغة من العمر 29 عاما، والفائزة ببطولات الغراند سلام 5 مرات، بالتوقيف لمدة عامين، بعد ثبوت تناولها عقار ميلدونيوم في بطولة أستراليا المفتوحة عام 2016، لتتمكن البطلة الروسية من العودة إلى ملاعب التنس يوم 28 أفريل من العام 2017، وقالتشارابوفا بعد صدور قرار المحكمة آنذاك: “أنا أعد الأيام حتى يحين موعد عودتي إلى الملاعب”، وأضافت حينها: “أحسست أن شيئا أحبه أخذ مني، وسأكون سعيدة عندما أستعيده، رياضة التنس هي شغفي واشتقت إليها”.
الميلدونيومدواء لأمراض القلبويعرف أيضا باسم ميلدرونيت
ما هو الميلدونيوم؟.. إنه دواء لأمراض القلب، يعرف أيضا باسم ميلدرونيت، وقد وضع على قائمة العقاقير المحظورة في 1 جانفي 2016، وقالت شارابوفا إنها كانت تتناول هذا العقار منذ 2006 لعلاج مشاكل صحية، ولم “تحاول أن تستعمله للرفع من أدائها الرياضي”، وأضافت أنها كانت تجهل أن العقار أضيف إلى قائمة الممنوعات للوكالة الدولية لمكافحة المنشطات، وأنها لم تتحمل “العقوبة الشديدة والمجحفة” التي صدرت ضدها، وتبين لهيئة المحكمة أن قضية شارابوفا لا تتعلق “برياضية غشاشة”، وأنها أخطأت في عدم إعطاء “التعليمات المناسبة” لعميلها لمراجعة قائمة العقاقير المحظورة، وعدم “مراقبة عمله”، وقالت المحكمة إن التحاليل بينت أن شارابوفا تناولت عقاقير محظورة بعد مباراة ربع نهائي بطولة أستراليا المفتوحة التي انهزمت فيها أماما سيرينا وليامز.
عودتهافي 2017حظيت باهتمام عالمي لم يخل من انتقاد
ومباشرة بعد عودتها من العقوبة في 2017، واصلت الروسية المخضرمة ماريا شارابوفا مسيرتها القوية في بطولة أمريكا المفتوحة للتنس، لتعويض فترة الإيقاف التي عاشتها بسبب تعاطي المنشطات، وقد انقسم الجمهور بين غافر لها ومتحمس لعودتها وآخر معارض ومتحفظ،حيث سادت لدى الكثيرين لهجة المسامحة والتعاطف معها، بعد قضاء العقوبة، داعين إلى منحها فرصة أخرى في عالم الكرة الصفراء، ولكن هناك من رأى أن الحسناء الروسية تتم مجاملتها بشكل كبير، لذلك وجدت دعما كبيرا وتشجيعا منقطع النظير حول العالم، وقارن أحد المعلقين بين شارابوفا وسيرينا ويليامز، وقال لو أن سيرينا ارتكبت نفس خطأ شارابوفا، لما استطاعت العودة ثانية، في إشارة إلى أن أحدا لن يتعاطف معها وستتم مقاطعتها بشكل كبير.